لطائف قرآنية
﴿ لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً﴾
د. محمد راتب النابلسي
من السذاجة أن يطمئن الإنسان إلى حاضره ، الحاضر جيد ، ولكن ماذا يخبئ الغيب ؟ فإذا جهل الإنسان الله عز وجل ، وما استقام على أمره ، ولا عرف الهدف من وجوده ، ولا عرف المنهج الذي ينبغي أن يسير عليه ، فلماذا يعيش ؟
﴿ لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً﴾
أي إذا لم يعرف الإنسان الله في الرخاء ، لن يعرفه في الشدة ، فكأن هذا القرآن يبلغنا أن مع الحياة موتاً ، وأن مع العز ذلاً ، وأن لكل شيء حسيباً ، وأن على كل شيء رقيباً ، وإن على كل حسنة ثواباً ، وكل سيئة عقاباً .
﴿ لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً ﴾
فالأمور لا تدوم على هذه الحال ، الآن نحن شباب ، وفي يوم سيأتي سن الكهولة ، وسن الشيخوخة ، وسن الضعف ، ويأتي ملك الموت فإما إلى جنة يدوم نعيمها ، أو إلى نارٍ لا ينفذ عذابها .
﴿ لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً﴾
لا تغتر بحاضرك ، فالعبرة للمستقبل ، والعبرة بخواتيم الأعمال ، وبخريف العمر ، و بساعة اللقاء ، وفي ساعة مغادرة الدنيا ، هنا البطولة ،
ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتقي الله البطل
﴿ لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً﴾
فكل إنسان مغتر ، الشاب بشبابه ، والغني بماله ، وصاحب المكانة الرفيعة بمكانته ، وصاحب النسب العريق بنسبه ، وصاحب الشكل الجميل بجماله ، فهذا غرور ، وربنا عز وجل قال :
﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾
(سورة لقمان : 33 )
أي الشيطان .
فهذا الكتاب يقول لك : إن مع هذه الدنيا آخره ، ومع العز ذلا ، ومع الغنى فقرًا ، ومع الحياة موتًا ، ومع الرخاء ضيقًا ، والأمور لا تبقى على ما هي عليه .
﴿ لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ ﴾
فالإنسان الغافل ، الساهي ، اللاهي المنغمس في الدنيا ، وفي جمع الدرهم والدينار ، واللاهف على الشهوات ، الذي همه بطنه ، وهمه فرجه ، وخميصته ، و درهمه وديناره ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ ؛ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ ))
(الترمذي وابن ماجه)